موقع الشيخ/ عبيّد بن عبدالرحمن البيضاني

جديد المكتبة المقروءة
جديد المكتبة الصوتية
جديد دروس التفسير
جديد الأخبار

New Page 1

( خطبة حكـم الغنــاء )

28 / 6 / 1431 هـ

جامع الحمد - حفرالباطن

الخطبة الأولى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .

أيها الناس: العقل نعمة عظيمة لأنه الآلة في معرفة الله سبحانه وتعالى ومعرفة أحكامه الشرعية ولولا العقل لما كان هناك فرق بين المخلوقات كلها، ولهذا تختم غير آية بقوله تعالى : {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}. البقرة44. {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.البقرة73. فمن استقام عقله وكان صحيحاً عاش تحت عبودية الله وقهره وسلم من الزيغ والضلال، فمن عقل مراد الله وقام بشكره سلك سبيل الرشاد، ومن استعمله في إرادته وشهواته ولم يرع حق الله خسر وحزن طويلاً، وإن من أمراض العقول وقلة التوفيق ماكاد به الشيطان بعض العقول ممن قل نصيبه من العلم والدين من سماع الغناء والآلات المحرمة التي تصد بها القلوب عن القرآن، وتجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان، ومن الناس من استفزهم الشيطان بصوته الفاجر ومزماره الأحمق يريد أن يخرجهم من مراكز الإيمان الحصينة إلى الفخ المنصوب والمكيدة المدبرة من أعداء الإسلام والمسلمين: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}. الحج4.

 

أيها المسلمون: إن الأغاني بالموسيقى والمعازف والمزامير محرمة شرعاً، مستقبحة طبعاً، ألف العلماء فيها المؤلفات، وذكروها في ثنايا الكتب والمصنفات، فعجباً لإصرار بعض الناس عليها، أو قلب الموازين في حكمها، فلنسمع ماقاله السلف فعسى أن يتبعهم الخلف.

يقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}. لقمان6.

وقد فسره ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم أنه الغناء ، وكان ابن مسعود يحلف بالله الذي لاإله إلا هو يرددها ثلاث مرات أنه الغناء وهو قول مجاهد وعكرمة، وهذا تفسير من الصحابة رضي الله عنهم.

وقد فسره أنه الغناء غير مجاهد وعكرمة، الحسن وسعيد بن جبير ومكحول وقتادة وإبراهيم النخعي.

وقال الله جل وعلا:  {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً}. الفرقان72.

قال محمد بن الحنفية: الزور هاهنا الغناء، وقاله الليث بن سعد عم مجاهد بن جبر رحم الله الجميع.

وقال تبارك وتعالى: {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}. الإسراء81. فمن تفسيرات الباطل هنا أنه الغناء ، فقد سأل عبيدُ الله القاسمَ بنَ محمد: كيف ترى في الغناء؟ فقال: هو باطل، قال: فكيف ترى فيه؟ فقال القاسم: أرأيت الباطل أين هو؟ قال: في النار، قال: فهو ذاك.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما لرجل: إذا جاء يوم القيامة فأين يكون الغناء؟ فقال الرجل: يكون مع الباطل.

فقال ابن عباس: اذهب فقد افتيت نفسك، وقال سبحانه: (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ) النجم 61. قال ابن عباس: السمود: الغناء في لغة حِمْيَر ، وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) فقرن المعازف مع الحِر وهو الفرج كناية عن الزنا.

وعن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على روؤسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير). رواه الإمام أحمد وابن ماجه وابن حبان وغيرهم وقال ابن القيم إسناده صحيح.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوتان ملعونان في الدنيا والآخره مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة.)رواه البزار وقال المنذري والهيثمي رواته ثقات، وأخرج بن أبي الدنيا عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون في أمتي خسف وقذف ومسخ) قيل: يارسول الله متى؟ قال: (إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمرة).

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى حرم على أمتي الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وكل مسكر حرام). رواه أحمد وأبو داوود. والكوبة: الطبل، والغبيراء: نوع من الشراب يسكر.

قال ابن القيم رحمه الله : وقد حكى أبو عمر بن الصلاح الإجماع على تحريم السماع الذي جمع الدف والشبابة والغناء، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع، ومر ابن عمر بقوم محرمين وفيهم رجل يتغنى فقال: ألا لاسمع الله لكم.

وقال الفضيل بن عياض: الغناء رقية الزنا.

وقال الضحاك: مفسدة للقلب، مسخطة للرب.

وقال الإمام أحمد: الغناء ينبت النفاق في القلب.

وروى المروزي عن أحمد بن حنبل أنه قال: كسب المخنث خبيث، يكسبه بالغناء.

وسئل الإمام مالك رحمه الله عن الغناء، فقال: إنما يفعله الفساق. وأبو حنيفة يجعله من الذنوب، وهو مذهب إبراهيم والشعبي وحماد وسفيان الثوري.

وأما الشافعي رحمه الله فيقول: خلفت شيئاً أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يشغلون به الناس عن القرآن، وقال أيضاً: إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل والمحال، فمن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته، وقال: إن صاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته وأغلظ القول فيه حتى قال: هي دياثة فمن فعل ذلك كان ديوثاً، ذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان.

وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى مؤدب ولده: ليكن أول مايعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن.

وقال القرطبي في تفسيره: الاشتغال بالغناء على الدوام سفه ترد به الشهادة.

وقال يزيد بن الوليد: يابني أمية إياكم والغناء فإنه يزيد الشهوة ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر ويفعل مايفعل السكر.

وقال خالد بن عبدالرحمن: كنا في عسكر سليمان بن عبدالملك فسمع غناءً من الليل فأرسل إليهم بكرةً فجئ بهم، فقال: إن الفرس ليصهل فتستودق له الرمكة، وإن الفحل ليهدر فتضبع له الناقة وإن التيس لينب فتسترم له العنز، وإن الرجل ليتغنى فتشتاق إليه المرأة، ثم قال : اخصوهم، فقال عمر بن عبدالعزيز: هذه المثلى ولا تحل فخل سبيلهم، فخلى سبيلهم. رواه البيهقي في الشعب.

وقال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة في البيوت التي يسمع فيها صوت المعازف والملاهي: ادخل عليهم بغير إذنهم لأن النهي عن المنكر فرض فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس عن إقامة  الفرض، وقالوا رحمهم الله : ويتقدم إليه ولي الأمر إذا سمع ذلك من داره، فإن أصر حبسه أو ضربه سياطاً وإن شاء أزعجه عن داره، ولهذا يقولون يجب عليك أن تجتهد أن لا تسمعه إذا مررت به أو كنت بجواره، ولهذا قال شيخ الإسلام في الفتاوى: كان السلف رحمهم الله يسمون الرجال المغنين مخانيثا، وهذا مشهور في كلامهم.

أيها المسلمون: هل بعد هذا يليق بعاقل أن يكون من أصحاب الغناء أو يكون بيته مأوىً للأغاني والمعازف أو يشك في تحريمه أو يسمع مايقال فيه من هنا وهناك.

إن العاقل لايسعه إلا سبيل المؤمنين، ورحم الله ابن القيم حيث قال: لاينبغي لمن شم رائحة العلم أن يتوقف في تحريم ذلك فأقل مافيه أنه من شعار الفساق وشاربي الخمور.

برئنا الى الله من معشرٍ         بهم مرض من سماع الغناء

وكم قلت ياقوم أنتم على         شفى جرفٍ مابه من بناء

شفى جرفٍ تحته هوة              الى دركٍ كم بهِ من عناء

وتكرار ذا النصح منا لهم        لــــــــــــنعذر فيـــــــــــــــــــــــــــه الى ربنا

فلما استهانوا بتنبيهنا                  رجعنا الى الله في امرنا

فعشنا على سنة المصطفى          وماتوا على تنتنا تنتنا

  

الخطبه الثانية

الحمد لله ، أما بعد:

 

فاتقوا الله أيها المسلمون، و اعلموا أنه لايصلح هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، و اجتنبوا كل مايصد عن سبيل الله فالمؤمن الصادق يكفيه دليل واحد يزجره وينزجر، ودليل واحد يأمره فيأتمر  {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً }الأحزاب36. وإن سماع الأغاني والمعازف بأنواعها محرم كما سبق سواءً فعلها بنفسه أو سمعها من غيره.

ولهذا لاتجد أحداً أولع بالغناء إلا وفيه صفات أخرى من صفات الفسق كحب النساء وشرب الدخان وغيره، فيالله كم حال بين الشباب وحفظ القرآن، وكم دوت فيه بيوت ووقع في شراكه أمم، فكم خبأ في أهله من آلام منتظرة، وغموم متوقعة، وهموم مستقبلة.

يقول ابن القيم رحمه الله: فالغناء أكثر ما يورث عشق الصور، واستحسان الفواحش، وإدمانه يثقل القرآن على القلب، ويكرهه إلى سماعه وإن لم يكون هذا نفاقاً فما للنفاق حقيقة، ويقول : إن صاحب الغناء بين أمرين، إما أن يتهتك فيكون فاجراً أو يظهر النسك فيكون منافقا، ويقول رحمه الله: علامات النفاق قلة ذكرالله، والكسل عند القيام للصلاة، ونقر الصلاة، وقل أن تجد مفتوناً بالغناء إلا وهذا وصفه.

 

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.

جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم ومسلمة